كتب المقال الباحث أميت ياروم، الذي تناول فيه الجدل الذي اندلع بعد تداول أنباء عن احتمال زيارة الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو لإسرائيل، وسط توقعات بأنها قد تكون الخطوة الأولى نحو انضمام جاكرتا إلى اتفاقات أبراهام وإعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط. لكن الحكومة الإندونيسية سارعت إلى نفي الأنباء مؤكدة دعمها الثابت للفلسطينيين.
تلك الحادثة كشفت عن سرعة التغيّرات في خريطة الدبلوماسية الإقليمية منذ بدء وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس هذا الشهر، وعن الضغوط والمكاسب المحتملة التي تواجهها دول كإندونيسيا في ظل توازن حساس بين الرأي العام والتضامن الإسلامي والنظام الدولي الذي تعيد واشنطن تشكيله تحت إدارة ترامب.
تشير أتلانتيك كاونسل إلى أن الانخراط بين إسرائيل وإندونيسيا، إن أُدير بعناية، قد يغيّر موازين الاقتصاد والسياسة في البلدين، لكنه محفوف بمخاطر سياسية واجتماعية عميقة تتطلب توازنًا دقيقًا بين الانفتاح والمجازفة. فمنذ استقلالها، رفضت جاكرتا إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، انسجامًا مع موقفها المؤيد لفلسطين ومبادئها الدستورية المناهضة للاستعمار. ورأى الرئيس المؤسس سوكارنو أن إسرائيل تمثل امتدادًا للنفوذ الاستعماري الغربي، ورفض استقبال منتخبها في دورة الألعاب الآسيوية عام 1962، بل انسحب من تصفيات كأس العالم عام 1958 لتجنّب مواجهتها.
توارث القادة الإندونيسيون الموقف ذاته، مؤكدين أن العلاقات الرسمية لن تُقام قبل استقلال فلسطين. ومع ذلك، ظلت هناك اتصالات سرية؛ فخلال حكم سوهارتو، أقامت جاكرتا علاقات استخباراتية وعسكرية غير معلنة مع إسرائيل، وتبادلت معها السلاح والخبرة عبر وسطاء. وفي 1999 اقترح الرئيس عبد الرحمن وحيد فتح تجارة محدودة، لكن الرأي العام المحافظ أحبط الفكرة. كما التقى مسؤولون من الجانبين في الأمم المتحدة عام 2005، غير أن الرئيس يودهويونو رفض التطبيع حتى "ينال الفلسطينيون استقلالهم". وكرر الرئيس جوكو ويدودو الموقف نفسه عام 2016.
تجذّر التأييد الشعبي لفلسطين جعل أي تقارب علني مع إسرائيل انتحارًا سياسيًا. ففي 2023 ألغى الاتحاد الدولي لكرة القدم استضافة إندونيسيا لكأس العالم تحت 20 عامًا بعد احتجاجات على مشاركة المنتخب الإسرائيلي، كما دانت جاكرتا بشدة القصف الإسرائيلي على مستشفى تموله في غزة خلال الحرب الأخيرة. ورغم ذلك، استمرت تجارة غير مباشرة بين شركات الطرفين، وبلغت مئات الملايين من الدولارات سنويًا، بينما زار عشرات الآلاف من الإندونيسيين القدس كمسيحيين ومسلمين لأداء الحج، رغم غياب العلاقات الرسمية.
يحدّد المقال ثلاثة عوامل فتحت نافذة دبلوماسية جديدة بين جاكرتا وتل أبيب. أولها وقف إطلاق النار في غزة، الذي أتاح مساحة للحوار وشجّع إندونيسيا على لعب دور في إعادة الإعمار ودعم سلام شامل يضمن أمن إسرائيل وسيادة فلسطين.
ثانيها عودة ترامب إلى البيت الأبيض وإحياءه لمسار اتفاقات أبراهام، حيث تُعتبر إندونيسيا هدفًا رئيسيًا ضمن خطط واشنطن لتوسيع التطبيع مقابل حوافز اقتصادية، مثل دعم انضمامها إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ثالثها براجماتية الرئيس برابوو، الذي تبنّى خطابًا غير مسبوق في الأمم المتحدة حين قال: "يجب ضمان أمن إسرائيل حتى يتحقق السلام"، منهياً كلمته بتحية "شالوم" في إشارة رمزية إلى تحول في الرؤية.
يمتلك برابوو قاعدة برلمانية قوية عبر ائتلافه الحاكم، ما يمنحه حرية المناورة. ويبدو أنه يرى في الحوار مع إسرائيل وسيلة لتحقيق هدف الدولة الفلسطينية، لا خيانتها. ومع التهدئة في غزة ودعم واشنطن، تملك جاكرتا غطاءً سياسيًا يسمح بمخاطرة محسوبة نحو تقارب تدريجي.
على الجانب الاقتصادي، يمكن لإندونيسيا، كقوة في مجموعة العشرين تضم 280 مليون نسمة، أن تستفيد من خبرات إسرائيل في التكنولوجيا والزراعة والأمن السيبراني، مقابل تصدير منتجاتها الطبيعية والانفتاح السياحي. أما إسرائيل، فستكسب بوابة نحو أكبر دولة إسلامية وموقعًا استراتيجيًا في المحيطين الهندي والهادئ. دبلوماسيًا، يمكن لجاكرتا أن تعزز مكانتها كوسيط بين العالم الإسلامي والغرب، بينما تكسب تل أبيب شرعية في المنتديات الدولية مثل رابطة آسيان ومنظمة التعاون الإسلامي.
لكن المخاطر تبقى كبيرة. فاستطلاع في يونيو 2025 أظهر أن 80 في المئة من الإندونيسيين ينظرون إلى إسرائيل بسلبية. أي خطوة متسرعة قد تشعل احتجاجات وتضر بشرعية الحكومة. كما أن اندفاع جاكرتا نحو التطبيع قد يثير غضب قوى إسلامية مؤثرة مثل قطر وتركيا وإيران، ما قد يضعف موقعها في العالم الإسلامي.
ينصح الكاتب بخمس خطوات لتجنّب الفشل: البدء بالتطبيع التدريجي والهادئ بعيدًا عن الإعلام، الحفاظ على استقرار غزة كشرط مسبق لأي حوار، استخدام العلاقات كأداة لتحسين أوضاع الفلسطينيين لا كبديل عن قضيتهم، توجيه الاستثمارات إلى قطاعات عالية التأثير مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الصحية، وأخيرًا تعزيز التبادل الشعبي والثقافي لتليين المواقف المتصلبة بين المجتمعين.
يخلص المقال إلى أن التقارب بين إندونيسيا وإسرائيل لن يحدث سريعًا، لكنه ممكن إن توافرت الحكمة والشجاعة. فهدنة غزة فتحت شقًا صغيرًا في جدار الصمت الطويل، وإذا أُحسن استغلاله، قد تتحول إندونيسيا من مراقب بعيد إلى جسر إنساني بين الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/the-indonesia-israel-visit-that-didnt-happen-and-why-it-still-matters/

